responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 463
الْمَطْلُوبِ، كَمَا قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3] وقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [الْمَائِدَةِ: 35] وَقَوْلُهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَعْنِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرًا عَلَى إِنْزَالِ الْمَائِدَةِ فَاتَّقُوا اللَّه لِتَصِيرَ تقواكم وسيلة إلى حصول هذا المطلوب.
ثم قال تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 113]
قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)
وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُمْ لَمَّا طَلَبُوا ذَلِكَ قَالَ عِيسَى لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْمُعْجِزَاتُ الْكَثِيرَةُ فَاتَّقُوا اللَّه فِي طَلَبِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ بَعْدَ تَقَدُّمِ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ، فَأَجَابُوا وَقَالُوا إِنَّا لَا نَطْلُبُ هَذِهِ الْمَائِدَةَ لِمُجَرَّدِ أَنْ/ تَكُونَ مُعْجِزَةً بَلْ لِمَجْمُوعِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا فَإِنَّ الْجُوعَ قَدْ غَلَبَنَا وَلَا نَجِدُ طَعَامًا آخَرَ، وَثَانِيهَا: أَنَّا وَإِنْ عَلِمْنَا قُدْرَةَ اللَّه تَعَالَى بِالدَّلِيلِ، وَلَكِنَّا إِذَا شَاهَدْنَا نُزُولَ هَذِهِ الْمَائِدَةِ ازْدَادَ الْيَقِينُ وَقَوِيَتِ الطُّمَأْنِينَةُ، وَثَالِثُهَا: أَنَّا وَإِنْ عَلِمْنَا بِسَائِرِ المعجزات صدقك، ولكن إِذَا شَاهَدْنَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةَ ازْدَادَ الْيَقِينُ وَالْعِرْفَانُ وَتَأَكَّدَتِ الطُّمَأْنِينَةُ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي أَوْرَدْتَهَا كَانَتْ مُعْجِزَاتٍ أَرْضِيَّةً، وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ سَمَاوِيَّةٌ وَهِيَ أَعْجَبُ وَأَعْظَمُ، فَإِذَا شَاهَدْنَاهَا كُنَّا عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ، نَشْهَدُ عَلَيْهَا عِنْدَ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَكُونُ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ للَّه بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَلَكَ بِالنُّبُوَّةِ. ثم قال تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 114]
قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَمَّا الْكَلَامُ فِي اللَّهُمَّ فَقَدْ تَقَدَّمَ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي قَوْلِهِ قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آلِ عِمْرَانَ: 26] فَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ نِدَاءٌ، وَقَوْلُهُ رَبَّنا نِدَاءٌ ثَانٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَكُونُ لَنا صِفَةٌ لِلْمَائِدَةِ وَلَيْسَ بِجَوَابٍ لِلْأَمْرِ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّه تَكُنْ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ جَوَابَ الْأَمْرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمَا كَانَ مِنْ نَكِرَةٍ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا أَمْرٌ جَازَ فِي الْفِعْلِ بَعْدَهُ الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي [مَرْيَمَ: 5- 6] بِالْجَزْمِ وَالرَّفْعِ فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [الْقَصَصِ: 34] بِالْجَزْمِ وَالرَّفْعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا أَيْ نَتَّخِذُ الْيَوْمَ الَّذِي تَنْزِلُ فِيهِ الْمَائِدَةُ عِيدًا نُعَظِّمُهُ نَحْنُ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَنَا، وَنَزَلَتْ يَوْمَ الْأَحَدِ فَاتَّخَذَهُ النَّصَارَى عِيدًا، وَالْعِيدُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا عَادَ إِلَيْكَ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ عَادَ يَعُودُ فَأَصْلُهُ هُوَ الْعَوْدُ، فَسُمِّيَ الْعِيدُ عِيدًا لِأَنَّهُ يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ جَدِيدٍ، وَقَوْلُهُ وَآيَةً مِنْكَ أَيْ دَلَالَةً عَلَى تَوْحِيدِكَ وَصِحَّةِ نُبُوَّةِ رَسُولِكَ وَارْزُقْنا أَيْ وَارْزُقْنَا طَعَامًا نَأْكُلُهُ وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ فَإِنَّ الْحَوَارِيِّينَ لَمَّا سَأَلُوا الْمَائِدَةَ ذَكَرُوا فِي طَلَبِهَا أَغْرَاضًا، فَقَدَّمُوا ذِكْرَ الْأَكْلِ فَقَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها [المائدة: 113] وَأَخَّرُوا الْأَغْرَاضَ الدِّينِيَّةَ الرُّوحَانِيَّةَ، فَأَمَّا عِيسَى فَإِنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الْمَائِدَةَ وَذَكَرَ أَغْرَاضَهُ فِيهَا قَدَّمَ الْأَغْرَاضَ الدِّينِيَّةَ وَأَخَّرَ غَرَضَ الْأَكْلِ حَيْثُ قَالَ وَارْزُقْنا وَعِنْدَ هَذَا يَلُوحُ لَكَ مَرَاتِبُ دَرَجَاتِ الْأَرْوَاحِ فِي كَوْنِ بَعْضِهَا رُوحَانِيَّةً وَبَعْضِهَا جُسْمَانِيَّةً، ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِشِدَّةِ صَفَاءِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 463
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست